خواطـــــــــر مغترب

يرن جرس الهاتف فيكون احتفائي به قليلاً, ثم يعقبه رنات ساعة الحائط معلنة تمام الثانية صباحاً ولم يغمض لي جفن, رحت أعيد شريط ذكرياتي منذ الطفولة وحتى الساعة - سبحان الله - سنين مضت من حياتنا ولم نفز فيها بشىء يذكر..
تذكرت ساعة أن جائني البشير بأنني سوف أغادر الأهل والوطن, فرحت كثيراً ولم أبكي فقد انتهى زمن الدموع في عصرنا المادي هذا, رحت أرتب كل متعلقاتي فالسفر قريب, والآمال بجنى المال كان هو الهاجس الأكبر لدي... ولعله لكل من فكر في الإغتراب... رحت أعد الساعات التي سوف أغادر فيها وأنا مشغول بالإجراءات, ويا لها من إجراءات...... ثم جاءات لحظة الفراق ووداع الأهل.. كلهم مجتمعون في بيتنا يحملونك أشواقهم وسلامهم لأهلهم خارج الوطن, ومنهم من يعطيك بعض المنتوجات السودانية لتسليمها لهم لعلها تذكرهم بأن لهم اهل يذكرونهم.. ويذكروهم أن موعد المصاريف قد حان, ومنهم من يوصيك بأن تحضر له شي معين.. الله على طيبة.. الأهل ثم تتهادى العربة على الطريق ودون إحساس ترى نفسك تقلب عينيك على الطريق كأنك لن تعود, هذا دكان فلان , وهذه عربة فلان, وهذه شجرة ناس فلان وهذا بيت فلان , معالم تكون مررت بها آلاف المرات ولكنها لم تسترعي انتباهك.. لما اليوم تأخذك دون وعي منك لتتأملها وتمعن النظر فيها مرات ومرات وتجد الإجابة بعد أن يمر بك شريط الذكريات وأنت بعيد عن الوطن... حينها ستشاق لأتفه شي في وطنك.
وعند صعودي سلم الطائرة لأول مرة في حياتي شعرت بأحاسيس مختلفة متناقضة فرح- خوف- رهبة- توقع كله من المجهول الذي ينتظرني.
وتقلع الطائرة ويبدأ عداد الأهل في العمل فقد سافر اليوم عليه إذن إرسال المصاريف أول الشهر وكأن العمل ينتظرك هناك, أو كأن الريالات ملقاة على قارعة الطريق تأخذ منها ما شئت
ومع بداية الشهر.. يا ولدي رسل المصاريف.. يا والدي هاك المصاريف... وتزداد الضغوط ويزداد امل الأهل فيك فأنت بئرهم الذي لا ينضب.
دعوني أخرج من هذه الهواجس فنفسي تغالبني على البكاء, على ما مضى.
اليوم تبلدت مشاعرنا وأصبحنا كالآلة لا يوقفها ألا أن تستزيد من الوقود أو الزيت لتعاود حركتها اللانهائية.
فهل من خلاص؟؟؟
منقوووووول

غاليتى حلم الاماسى

فعلا الغربة جحيم

رغم العائد المادى

لمة الاهل بالدنيا

ربنا يرد احبابنا واهلنا بالسلامة

تسلمى يارائعة