عجب الذنب والمادة الوراثية
الحقيقة ومن الدراسات العلمية الحديثة كما أسلفنا نجد أنه من المنطقي أن بذرة الإنسان وهي عجب الذنب يجب أن تكون جزء حي محمي بحماية شديدة لا يؤثر فيه النار أو الضغط أو تغير الظروف المناخية المختلفة من برد قارص إلي حرارة عالية وغير ذلك.
كما انه من المنطقي أيضاً في ظل ما هو متوافر لدينا من معلومات عن كيفية نشؤ الحياة في كل الأجناس والكائنات الحية، أنه يجب أن يحتوي هذا الجزء المتبقي علي كتاب الحياة أو المادة الوراثية المخزن عليها كل المعلومات الخاصة بالكائن الحي مثل لون العينين ولون البشرة ونوع ولون الشعر، القلب والأقدام، الدم واللسان وكل ما يتعلق بالكائن الحي يجب بل يلزم أن نجد له معلومة مخزنة في هذا الكتاب والذي يعرف بالدنا "DNA".
ولا يجب أن يصاب المرء بالإحباط كما يشعر الدكتور عبد المنعم حين يرى أن الشريط الأولي يختفي بعد الأسبوع الثالث وبداية الأسبوع الرابع من تكون الجنين، ولا يجب أن ننفي وجود عجب الذنب بالمرة كما يقول الدكتور احمد شوقي إبراهيم في مقاله السابق الإشارة إليه، إذ لا يلزم أن يتبقى من الإنسان سوى خلية واحدة فقط حية، لا أكثر، خلية واحدة تحتوي على المادة الوراثية للكائن الحي تحوي جميع المعلومات والبيانات والأسرار عن هذا الكائن.
ولتصور مقدار الأسرار التي يحملها كتاب الحياة "DNA" نضرب لكم مثلاً بعملية الاستنساخ والتي أسفرت عن ظهور النعجة "دولي" ، في أبسط وصف لهذا الاستنساخ هو نقل كتاب حياة من خلية غير جنسية إلي خلية جنسية وأثمرت هذه العملية عن جنين أعطي هذه النعجة، ولكن ما أريد الإشارة إليه هنا هو أن النعجة الوليدة لم تبدأ حياتها ككل المخلوقات طفلاً ثم شاباً ثم شيخاً، بل بدأت حياتها من عمر كتاب الحياة للأم بدأت حياتها بعمر 6 سنوات، وما كان ذلك إلا لأن كتاب الحياة يخزن بين طيات صفحاته عمر الكائن الحي، وحالته، ومزاجه، وكل ما يعتريه من تغيرات وتقلبات حياتية.
ومنذ سنوات غير قليلة تقوم العديد من المعامل بزراعة الخلايا النباتية وتنميتها حتى تصبح نباتاً كاملاً ويباع في الأسواق كشتلات عالية الجودة، وهذا العلم يعرف بعلم زراعة الخلايا والأنسجة. كما أن زراعة الخلايا الحيوانية والبشرية دخل أيضاً حيذ التنفيذ في عديد من معامل الجامعات ومراكز البحوث ومراكز البحث والتطوير في شركات الأدوية والعلاجات الصيدلية الكبرى. إذن مسألة إنبات الخلية الحية لتصبح نسيجاً ليس شيئاً غريباً في المجتمع العلمي أو حتى علي مستوي القارئ الغير متخصص.
مواصفات خلايا عجب الذنب
يا ترى، أي نوع من الخلايا يمكن أن نطلق عليه "عجب الذنب"؟، وللإجابة على هذا السؤال، دعونا نعود مرة آخري إلي الحديث عن كتاب الحياة أو "DNA"، فمن أساسيات دراسة هذه المادة الوراثية يجب أن نعرف أنها تتكون من تتابع متسلسل من القواعد النتروجينية تعارف العلماء على أنها أربع قواعد نتروجينية يرمز لها عادة بالحروف الانجليزية ATCG عدد هذه القواعد في الجينوم البشري ما يقارب 3 مليار قاعدة نتروجينية، ومن العجيب أن هذه القواعد تتشابه في تتابعا بنسبة 99.9% في كل بني البشر ونسبة الاختلاف لا تزيد عن 0.1 % وهذه النسبة الضئيلة جداً هي التي تقسم عالم البشر إلى ابيض واسود وطويل وقصير ونحيف وسمين إلى ما لانهاية من الاختلافات الموجودة بين مليارات البشر بحيث لا تجد واحداً من هذه المليارات يتشابه تشابه كامل مع شخص آخر.
هذا علي المستوى العام وعلى مستوى الشخص الواحد أيضاً لا نجد اختلافاً يذكر في تركيب هذه المادة الوراثية في جميع خلايا الجسم، فكتاب الحياة الموجود في خلية الدم هو نفسه الموجود وبذات التركيب في خلايا العين أو القلب أو العضلات أو أي جزء آخر من أجزاء الجسم. ولكن وبحكمة من الله الخالق الذي ميز كتاب الحياة بصفحات كل صفحة فيه تسمى جين وكل جين أو مجموعة من الجينات تكون مسئولة عن تكوين وظيفة أو عضو معين. فنجد جينات تكوين الدم مثلاً موجودة علي كتاب حياة خلايا العين ولكنها متوقفة ولا تعمل في العين وتعمل في الدم فقط وهكذا بالنسبة لباقي أجزاء الجسم.
إذن فخلية عجب الذنب لا ينبغي أن تكون مثل هذه الخلايا، فلو كانت خلية دم لأنتجت دماً فقط، ولو كانت خلية جلد لأنتجت جلداً فقط، وهكذا، ولكنها خلية يجب أن تنمو لتعطي وتتمايز إلي كل أعضاء الجسم، بمعني آخر أن الصفحات المكونة لكتاب الحياة بهذه الخلية يجب أن تكون جميع جيناتها مفتوحة وغير مقفلة، وإلا ما أعطت أبداً كائناً كاملاً.
خلاصة القول أننا ومن هذه المقدمة البسيطة يمكن أن نقبل وبشكل منطقي أن يكون عجب الذنب ما هو إلا خلية واحدة فقط تبقي من الإنسان ولا تبلى ولكنها يجب أيضاً أن تكون خلية جذعيه تستطيع عند نموها وإنباتها أن تتمايز لتعطي كائناً كاملا.
الأمر الأخر هو كيف لهذه الخلية الحية أن تبقى أبد الدهر ولا تبلى، ولا تموت، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تحتفظ هذه الخلايا بكتاب الحياة الخاص بها بدون أن يتحلل أو يموت، كما يجب وفي نفس الوقت أن تكون عملياتها الأيضية وتحولاتها الغذائية في أضيق الحدود إن لم يكن من الأفضل لها أن تنعدم.
وفي مجال تخصصي الخاص بالتكنولوجيا الحيوية الميكروبية نقوم عادة بحفظ الخلايا الميكروبية لعدة سنوات في أنبوبة وعلى درجة حرارة الغرفة وذلك بتجفيدها، والتجفيد هنا يعني نزع الماء منها تماماً وذلك باستخدام أجهزه مخصصة لذلك، ثم بعد أن تنشأ حاجة لإعادة إحياء هذه الخلايا نقوم فقط بإذابتها وإمدادها بالماء فتدب فيها الحياة مرة أخرى وتنمو وتتكاثر وتنتج كما كانت سابقا وبلا أدني مشكلة.
وعليه فإن هناك شيئاً ما يحدث عند موت الإنسان يمكن خلية عجب الذنب - التي أشار لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف - وبطريقة طبيعية من فقد المحتوى المائي لها بالكامل، مع لزوم أن تكون أيضاً محاطة بنوع ما صارم من الحماية والوقاية، هذه الحماية قد لا يوفرها جزء آخر من الجسم غير أحد العظام شديدة الصلابة والمرونة في نفس الوقت، بالإضافة إلي أن الغلاف الخلوي لهذه الخلية قد يكون فيه من المواصفات والخصائص ما قد يحوله عند انقطاع المدد الغذائي بموت الإنسان إلي كبسولة من نوع فريد لا يهلكها أقسي الظروف والنوائب والأعراض والحوادث ولو كانت في بطن الحوت، أو فوهة بركان.
وخلاصة القول أن الله سبحانه وتعالى أكد في غير آية من القرآن إننا سننبت من الأرض يوم البعث، ثم أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه إلى أن البذرة التي سننبت منها يوم القيامة هي جزء يتبقي من جسم الإنسان لا تأكله الأرض وهو عجب الذنب، واجتهد المفسرون القدامى – جزاهم الله عنا خير الجزاء - وقالوا أن هذا الجزء هو عظمة العصعص، ثم جاء من بعدهم من قال انه ليس كل عظمة العصعص ولكنه الشريط الأولي الذي يركب منه الإنسان عند خلقه جنيناً في بطن أمه، ثم جاء أيضاً من يقول أن هذا الشريط الأولي يختفي تماما بعد الأسبوع الثالث من تكون الجنين.
وهنا نقول انه يكفي فقط أن تبقى منه خلية واحدة فقط حية تحتوي على كتاب الحياة كل صفحاته مفتوحة أو مقرؤة، وأن هذه الخلية لها من الصفات والخصائص ما يمكنها من فقد مائها بمجرد موت لإنسان، وان الله قد يكون قد ألهمها أن تقوم أثناء موت الإنسان بمجموعة من الاحتياطات والدفاعات ما يمكنها من بقائها حية، ولا بأس من أن تكون أيضاً في حماية أحد عظام الجسم ولكن يجب أن تتميز هذه العظمة بالقوة والصلابة والمرونة في نفس الوقت حتى تستطيع أن تظل حية رغم الأهوال والعواصف، ويكفي أهوال يوم القيامة نفسه.
صفات الماء الذي ستنبت منه الأجساد يوم البعث
لم يحدد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صفات ومواصفات الماء الذي سينزله الله على الأرض ليحي به الموتى يوم البعث، حيث أن الحديث النبوي الشريف يقول: ما بين النفختين أربعون قال أربعون يوما قال أبيت قال أربعون شهرا قال أبيت قال أربعون سنة قال أبيت قال ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة.
والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن في هذه اللحظة هو: إذا كان الماء يساعد في إنبات الإنسان مرة آخري، فلماذا لا ينبت الموتى في القبور؟ والتي يسقط عليها سنوياً آلاف الأطنان من مياه الأمطار سنوياً، أو هؤلاء الذين ماتوا غرقاً في بحر أو نهر أو بئر أو غيره مما يغرق فيه، الحقيقة أننا لم نرى أو حتى نسمع عن أحد نما ونبت بعد غرقه أبداً منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وحتى الآن على الأقل.
هذا يعني وبمنتهي البساطة أن الماء الذي ينبت خلايا الإنسان مرة آخري لا بد وأن يكون له من الخصائص والصفات ما قد يكون مختلفاً بالكلية عن ماء الدنيا. وهنا يجب أن نعرف أن التوتر السطحي للماء العادي 73 داين/سم – الداين هو وحدة قياس القوة اللازمة لاختراق الماء لجسم الإنسان – والجسم يحتاج ماء بقوة شد سطحي 45 داين/سم حتى يخترق الماء جدره الخلوية.
ولذلك تقوم البروتينات الموجودة على جدر الخلايا الحية بعملية تخفيض هذا التوتر السطحي من 73 إلي 45 داين/سم وبالتالي تتم عملياتها الحيوية بسلاسة لا يلحظها الإنسان مطلقاً، وعليه فان الخلايا الميتة لا يمكنها أبداً أن تقوم بهذه العملية الحيوية وبالتالي فان وجود الخلية البشرية منقوعة في الماء لا يؤثر أبدا عليها ولا يحيها مطلقاً، لاستحالة دخول الماء إليها.
هذا ما أثبته الدكتور "اليكس كوريل" – الحاصل علي جائزة نوبل في ثلاثينيات القرن الماضي والذي أستطاع أن يحافظ على خلية من قلب دجاجة حية لمدة 37 سنة وأعلن بأن السر في ذلك يكمن في خفض التوتر السطحي للماء وبالتالي تسهيل عمليات الأيض بالخلية.
كما أن هناك أنواع أخري من المياه لها القدرة علي المحافظة علي خلايا بشرية حية لعدة أعوام، ولمعرفة هذا الماء المسمي "تريهالوز" دعونا نحكي القصة من أولها، فقد كان البروفيسور "جون كرو" من أوائل المتعلمين في المدرسة العليا بولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية وتخرج منها في عام 1961، وأثناء دراسته قام بتجفيف أحد أنواع العناكب الصغيرة المسماة بدببة الماء أو ما يطلق عليه بالانجليزية "Tardigrades". ودببة الماء هي كائنات حية بحجم رأس الدبوس يمكن تجفيفها وحفظها في سائل معلق مثل الفورمالين. ولم يكن يتخيل العالم "كروكان" أن هذه التجربة التي أجراها يوما ما بلا هدف ستقوده لاكتشافات هامه في المستقبل قد تنقذ حياة الملايين من البشر.
وبعد ما يقرب من عشرين عاما من تجفيف هذا المخلوق الصغير قام "كرو" بإخراجه من محبسه ووضعه علي شريحة ميكروسكوب زجاجية ووضع عليه نقطة ماء ثم تركه لفترة دقائق وبدأ يراه تحت الميكروسكوب، وفجأة سمعه تلاميذه يصرخ "يا رب إنها معجزة" إن العنكبوت يعود للحياة: إنه يتحرك". وأخذ "كرو" وتلاميذه التفكير، فماذا يكون هذا المخلوق الذي يقضي عليه لمدة عشرون عاماً في مادة سامه ثم يعود مرة أخري؟ ما السبب؟ هل تفعل نقطة ماء هذا السحر؟.
ولم يكذب العالم "كرو" خبراً وحول علي الفور كل أبحاثه ودراساته لكشف غموض الموت الخاضع لهذا العنكبوت وكيف استطاعت نقطة ماء أن تعيده للحياة مرة أخري. وتطورت أبحاثه لتشمل ليس فقط عناكب دببة البحر بل شملت أيضا نباتات مقاومة للجفاف جمعها من مناطق شديدة الجفاف في أفريقيا، نباتات قرون البحر، فطر الخميرة وغيرها.
ونظراً لكثرة العمل العلمي المطلوب إنجازه قام العالم "كرو" بتكوين فريق علمي يتكون من زوجته وزميله "لويس" المتخصص في الكيمياء الحيوية، بالإضافة إلي أستاذ العلوم البيطرية "فيرن تابلن". وأدت أبحاثهم لاكتشاف ماء خلوي سكري يسمي سكر التريهالوز "Threhalose" ووجد هذا الفريق أن هذا الماء الخلوي له قدرة كبيرة علي الحفاظ علي الخلايا بصورة جيدة لفترة طويلة.
وخصص معهد الثبات الحيوي "Bio-stabilization Institute" التابع لجامعة "كاليفورنيا ديفس" بالولايات المتحدة الأمريكية "لكرو" وزملائه - الذين بلغ عددهم ثلاثون متخصصا في العلوم البيولوجية المختلفة- مركزاً بحثيا مستقلا يبعد بمسافة 2 ميل عن حرم الجامعة، وجهزته الجامعة بأحدث الأجهزة العلمية اللازمة لإنجاز هذا النوع من البحوث. وركز الفريق العلمي أبحاثه علي إيجاد الطرق المثلي لحفظ وإعادة الحياة لثلاث أنواع من الخلايا وهي الصفائح الدموية وخلايا الدم الحمراء والخلايا النووية أو بمعني آخر نويات الخلايا مثل نويات خلايا الكبد أو الخلايا الجذعية الموجودة في نخاع العظام.
وحتى الآن نجح هذا الفريق فقط في تمديد فترة تخزين الصفائح الدموية اللازمة لتجلط الدم من خمسة أيام إلي سنتين. ويأمل الفريق في الوصول إلي طريقة لحفظ وإعادة نمو الخلايا الجذعية التي يمكن استخدامها يوما ما في إصلاح الأنسجة البشرية المتضررة. ومن المعروف أن طريقة التجفيف بالتجميد لها مخاطرها حيث يتحول الماء داخل الخلايا إلي بللورات ثلجية اثناء عملية التجميد تؤدي إلي تهتك جدر الخلايا عند إعادة ترطيبها بالماء مرة أخري، وشبه "كرو" هذه العملية بمن يريد أن يصنع بقرة من لحم الهامبورجر.
مما سبق يتضح أن الماء العادي لا يمكن أبداً أن ينبت الخلايا البشرية، ولكن يجب أن يكون ماءً ذا مواصفات خاصة، هذا الماء كما وصفه الرسول الكريم في حديثه عن يوم البعث والمذكور في مسند الإمام احمد حين قال صلى الله عليه وسلم: ثم يرسل الله أو ينزل الله قطراً كأنه الطل أو الظل (فسره العلماء بمني كمني الرجال) فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام.
إذن هو ماء يحتوي على مواد وعناصر غذائية تسهل عملية الإنبات واختراق الماء أيضا لخلايا عجب الذنب، هو ماء يحتوي علي مكونات الماء المنوي، بل يمكن أن نقول أيضاً أن هذا الماء هو ماء متخصص بمعنى أن لكل جسد من أجساد العباد - من لدن آدم عليه السلام وحتى أن يرث الله الأرض ومن عليها - مائه الخاص الذي سينبت منه يوم القيامة، هذا الماء ربما هو الماء الذي مات به وتبخر عنه وحفظه الله عز وجل له حتى حانت الساعة، ووجب القيام للحساب ثم الذهاب للأبد إما إلى الجنة خالداً فيها أو إلي النار خالدا فيها أبدا.